الجودة في التعليم
نتيجة للتطورات، والتغيرات، والتقدم السريع في مختلف المجالات حظي موضوع الجودة في مختلف الجوانب بالعناية في العديد من دول العالم، ويعد موضوع الجودة بشكل عام في شتى مجالات الحياة، وفي الجانب التعليمي اتجاهاً محوريا، ومعاصراً لدى كثير من الدول خاصة في مجال تقويم الأداء، وتطويره، وتحسينه.
وقد حثنا الإسلام على الجودة والإتقان في العمل، وهو دين جودة وإتقان، وأمرنا بذلك، وكثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية تعرضت لمفهوم الجودة، وأكدت عليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" وبذلك فالإتقان يحقق الجودة. والمتتبع لتاريخ الجودة في القرن الماضي يجد أنها بدأت في الأربعينيات، وكان التركيز منصباً على المجال الاقتصادي، والصناعي بالدرجة الأولى، وكثير من المهتمين بالجودة والمتخصصين فيها يرون أن الجودة ومعاييرها تعد الثورة الثالثة بعد الثورة الصناعية، والثورة التقنية، أو ما يعرف بثورة الحاسوب الآلي.
وقد اشتهر إدوراد ديمنج الذي يعد مؤسس الجودة، والذي عمل في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ونجح في تطبيق نظرياته في المجال الصناعي، وظهرت نتيجة لذلك أساليب، واستراتيجيات جديدة في ذلك الوقت لإدارة العمل، وقد تقدم اليابان في المجال الصناعي وحقق مبدأ "صنع في اليابان" بتكلفة معقولة، ودرجة عالية من الإتقان، وكل هذا تم نتيجة لتطبيق مبدأ الجودة ومعاييرها بهدف التطوير والتحسين في الأداء. وظهرت بعد ذلك العديد من المفاهيم المتعلقة بالجودة، ومنها مفهوم الجودة الشاملة الذي يركز بشكل كبير على الاستثمار الأمثل للطاقات، الإمكانات البشرية في أي مؤسسة لتحقيق أهدافها، وتلبية طلبات، واحتياجات العملاء، أو المستفيدين.
وهناك تعاريف مختلفة لمفهوم الجودة بناء على اختلاف المجال، أو التخصص، فنرى أن كل مجال ينظر إليها من زاويته، ويركز على الجوانب التي تهمه بالدرجة الأولى، فقد نجد أن الجودة تعني إرضاء العميل، أو المستفيد، والوفاء بمتطلباته، وقد تعني السعر المناسب للسلعة، أو للمنتج في المجال الاقتصادي، أو الصناعي، وفي المجال التربوي يقصد بالجودة أداء العمل بطريقة صحيحة وفق مجموعة من المعايير، والمواصفات التربوية اللازمة لرفع مستوى جودة وحدة المنتج التعليمي بأقل جهد، وتكلفة. ومن هذا التعريف يمكن التوصل إلى أن مبدأ الجودة في التعليم يعمل على تحقيق أهداف المؤسسات التعليمية، وأهداف المجتمع، وتلبية احتياجات سوق العمل من حيث المواصفات، والخصائص التي يجب توافرها في المنتج التعليمي بما في ذلك مدخلاته، وعملياته.
ولتحقيق الجودة في المجال التعليمي لا بد من نشر ثقافة الجودة لدى جميع العاملين في التعليم من خلال توضيح مفهومها، وأهميتها، وأسسها، ومبادئها، ومعاييرها، ومتطلبات تحقيقها، وهذا ممكن من خلال إقامة دورات تدريبية لبعض العاملين من قبل بعض الخبراء في هذا المجال، والمشاركون في هذه الدورات يقومون بتدريب زملائهم في العمل، وبذلك يتحقق نشر ثقافة الجودة لأن الشخص إذا اقتنع بالشيء، أصبح لديه اتجاه إيجابي نحوه، وسيتبناه، وينتج فيه، بل يبدع، ويبتكر في أساليب التعامل معه. الجانب الآخر المطلوب لتحقيق الجودة في التعليم يتمثل في مشاركة وتحفيز جميع العاملين في المجال نفسه في التنفيذ، وحل المشكلات التي قد تواجه عمليات وخطوات تطبيق الجودة، كما أنه يجب ألا يقتصر العمل وتطبيق هذه المعايير على البعض، ومن دون مشاركة الجميع.
والعامل الثالث لتحقيق الجودة في التعليم هو تشخيص الواقع الحقيقي للمجال التربوي، وتحديد الإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف الجودة، والتأكيد على التقويم لكافة الجوانب بصفة مستمرة، أو ما يعرف بالتغذية الراجعة من المستفيدين، أما الجانب الآخر الذي يسهم بدرجة كبيرة في مجال تحقيق أهداف الجودة في التعليم فيتمثل في العمل بالمنظور الشمولي، بحيث يشمل العمل تحقيق جودة المدخلات، والعمليات، والمخرجات، ولا يركز على جانب ويهمل الجوانب الأخرى.
ومن هنا لا بد من تسخير الإمكانات المادية، والبشرية، ومشاركة جميع الجهات، والإدارات، والأفراد في العمل كفريق واحد، والعمل في اتجاه واحد، وهو تطبيق معايير الجودة في النظام التعليمي، وتقييم مدى تحقيق أهدافها، ومراجعة الخطوات التنفيذية التي يتم توظيفها. فالنظام التعليمي له عدد من المكونات، أو العناصر التي يتوقع أن تعمل جميعها في تناسق، وتناغم، وفي بيئة سليمة، ومنتجة، وهذه المكونات تشمل الإدارة التعليمية سواء على مستوى إدارة التعليم، أو الإدارة المدرسية، وفي هذا المجال يتوقع من الإدارة التعليمية تسخير كافة إمكاناتها لتحقيق أهداف الجودة في كافة المجالات المرتبطة بها، وللمشرف التربوي أدوار عديدة من خلال ما يقوم به من توظيف للأساليب الحديثة في الإشراف بهدف تحسين جودة التعليم، والتعلم من خلال التشجيع على الإبداع في العمل، وحث المعلمين على النمو المهني، وتنمية روح المبادرة لدى العاملين في المجال التعليمي، والعمل بروح الفريق. كما أن المعلم يعد من أهم العاملين في المجال التربوي فهو الذي يعمل على تحقيق أهداف المرحلة الدراسية التي يعمل بها، وهو المنفذ الحقيقي للمنهج، وهو الذي يقوم بالحكم على مدى تحقيق الأهداف من خلال التقييم، فعندما يمتلك المعلم ثقافة الجودة، و يدرك أبعادها المختلفة، وأهميتها في العملية التعليمية سيكون عاملاً أساسياً في تحقيق أهداف الجودة، ولذلك لا بد من تضمين برامج إعداد المعلم الجوانب الأساسية التي تنمي ثقافة الجودة في التعليم، وأن تكون لديه العديد من الكفايات اللازمة للتدريس الفعال، كما أن المعلم الذي على رأس العمل يحتاج إلى دورات في مجال الجودة في التعليم لأن مفاهيم الجودة،وعملياتها، ومعاييرها في تطور مستمر، ولذلك هذه الدورات قد تعمل على جعل معلومات المعلم، ومهاراته مواكبة لما هو جديد في هذا المجال. والمنهج هو الجانب الآخر الذي يجب أن يسهم في تحقيق الجودة في التعليم من خلال مواكبة أهدافه، ومحتواه، وخبراته، وأساليب تقويمه لمعايير الجودة في التعليم، وهذا يتطلب من خبراء، وواضعي المناهج مراعاة المعايير في مجال المناهج التي تسهم في تحقيق مبادئ الجودة في التعليم. كما أن المتعلم عنصر أساس في تحقيق الجودة في العملية التعليمية من خلال استفادته القصوى من جميع الإمكانات، والخدمات التي تقدم له في أثناء تعلمه، والاستفادة تكون بصورة وظيفية في مواقف حياتية أخرى غير المواقف التعليمية التي تمر به في داخل المدرسة. فالمتعلم لا بد وأن يخرج من الإطار التقليدي في عملية التعليم والتعلم إلى أن يصبح قادراً على الحصول على المعلومة، والتوصل إليها بدلاً من تلقيها، ومن خلال تبني مفهوم التعلم الذاتي، وتوظيف تقنيات التعليم في عملية التعلم. وهناك حاجة ملحة لتحديث وتطوير الإمكانات المادية في المدرسة من مختبرات تدريسية، ومعامل للحاسب الآلي، والعمل على توفير الأدوات والمواد اللازمة للتدريس، وجعل بيئة المدرسة بيئة محببة لكل من المعلم، والمتعلم. كل هذه الإمكانات المادية، أو البشرية تسهم في تحقيق مبدأ الجودة الشاملة في المجال التعليمي، وفي حالة تبني المعايير وتطبيقها بصفة شاملة يمكن تحقيق الأهداف، والوصول إلى مستوى مقبول من الجودة في التعليم.
ويجب أن ندرك أن تبني مفهوم الجودة في التعليم، وتطبيق معاييرها يؤدي إلى خفض التكاليف بشكل ملموس، وذلك من خلال رفع مستوى الأداء، وتقليل الأخطاء، وزيادة الإنتاجية بمستوى عال من الإتقان، وتحسين مستوى أداء العاملين. كما يجب أن ندرك أن تحقيق مستويات مقبولة من الجودة في التعليم تؤدي إلى رضا جميع العاملين في المجال التربوي بمختلف مستوياتهم،ومسؤولياتهم، وتحقق مستوى عالياً من الرضا لدى المستفيدين من الطلاب، وأولياء أمورهم، ورجال الأعمال. وبما أن الدولة تنفق بسخاء على مجال التعليم، والرقي به إلى مستويات عالية، فإنه من الضروري أن يتم الإنفاق على تطبيق معايير الجودة، وتحقيق أهدافها في التعليم، وتقييم العملية بشكل مستمر للتأكد من تحقيق الأهداف. كما أن هناك تجارب ناجحة في مجال الجودة في التعليم مع أنها محدودة في بعض المدارس في المنطقة الشرقية يمكن الاستفادة منها في مجال تعميم هذه التجارب على مدارس أخرى. كما يجب ألا ينظر إلى الجودة وتحقيقها من خلال رفع مستوى درجات التحصيل لدى الطلاب فقط؛ لأن هذه النظر قاصرة، ومحدودة على نتائج تقويم التعلم، وليس على الجودة بمفهومها الشامل