أيـن أبـي؟... أيـن أبـنـاؤنــا؟

أيـن أبـي؟... أيـن أبـنـاؤنــا؟




لو أجريت بحثا بين صفوف تلاميذ مدرسة ابتدائية من أجل الوقوف على الآثار النفسية والسلوكية التي خلفتها المتابعة المستمرة للسلسلة المكسيكية "أين أبي؟" لدى هذه الفئة من المشاهدين والمتكونة من 74 تلميذا كان جلهم مواظبا على مشاهدة هذه السلسلة التي تبثها القناة الثانية دوزيم يوميا على الساعة 19و30 دقيقة.


وللإشارة فقد تم تصوير هذا المسلسل الدرامي ما بين المكسيك و الأرجنتين و الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2005، ويقع في 119 حلقة من إنتاج كل من تيليموندو و بروفيلم وقامت بدبلجتة القناة الثانية. وتدور قصة المسلسل حول طفل ولد بطريقة غير شرعية يلقب ب"فريخيليطو" أي الفول الصغير، الذي يصدِّق أن والده قد توفي عندما كان صغيرا، لكن الحقيقة التي تخفيها الأم عكس ذلك إذ أن أب الطفل غير الشرعي حي يرزق ويدعى "إكناسيو"، حياة "فريخيليطو" ستعرف عدة أحداث عندما يلتقى الأب غير الشرعي بابنه غير الشرعي دون أن يدركا ذلك.


ولا يخفى على الجميع التغيرات الاجتماعي والنفسية المنشودة من بث مثل هذه المسلسلات وغيرها من المنتجات الفنية التي باتت بلادنا مستباحة لها ولكل ما يفد عبر قنواتنا الرسمية من قوميات وهويات أجنبية لا حصر لها كتركيا واليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند والقائمة طويلة ومرشحة للمزيد، و يمكن تلخيص هذه التغيرات في السعي نحو تطبيع الحس العام للمجتمع المغربي المسلم مع قيم تعتبر مرفوضة حسب تعاليم الدين والعرف والقانون، و سنقتصر هنا على الكشف عن الجوانب التربوية التي تهمنا كأساتذة مطالبون بان نكون موضوعيين في تقديم المعطيات وترك المجال مفتوحا أمام المهتمين بأن يدلوا بآرائهم وتعاليقهم في الموضوع.


السؤال الأول: هل تشاهد المسلسل باستمرار؟
تلميذتان فقط من أصل 74 لا تشاهدان السلسلة، إحداهما بسبب عدم توصيل المنزل بشبكة الكهرباء، والأخرى يمنعها أبوها من المشاهدة لأنه يعتقد أن ذلك "حرام".


السؤال الثاني: ما هي الشخصية المحبوبة لديك؟
بالتأكيد فإن الجميع خلق علاقة عاطفية مع الطفل الغير الشرعي –بطل المسلسل- "فريخليطو" بنسبة 95% ، مما يبين بوضوح مدى تحقق الهدف الاستراتيجي من بث هذه السلسلة لدى الفئة المستهدفة التي هي الأطفال الأبرياء، ثم تأتي شخصية "ماركاريتا" –الأم العازبة- في المرتبة الثانية بنسبة 71% ، ثم مجموعة الأطفال بنسبة 62 % ، ثم"إكناصيو" –الأب غير الشرعي- 69 % ، وأخيرا دولسي - صديقة البطل- 48 % .


السؤال الثالث: مع من تشاهد الحلقة؟
وهنا نسجل غياب الآباء بل وتواطئهم في المسألة خصوصا إذا علمنا ان نسبة 83 % منهم يتواجدون مع أبنائهم أثناء بث السلسلة، والأمر هنا لا يقتصر على الأم فقط باعتبارها الشخص الذي يحضر باستمرار في المنزل خصوصا في المساء، بل يمتد ليشمل في حالات عدة كلا الأبوين بنسبة 30 %وجميع أفراد الأسرة بما في ذلك الإخوة بنسبة 20 % ، ولا نستغرب حين نجد الجدة والجد ضمن هؤلاء بنسبة 19 % ، مع إضافة الجيران بنسبة 15 %الشيء الذي يرسخ أحداث السلسلة في نفسية الطفل نظرا لاتساع دائرة المشاهدة والاهتمام لتشمل من يفترض فيهم أن يكونوا قدوة للطفل.


السؤال السادس: هل تلقى تشجيعا أو منعا من قبل أوليائك بشأن مشاهدة السلسلة؟
وفيما يخص تعامل الأبناء مع توجيهات أوليائهم بعدم المشاهدة أو السماح بها والاهتمام بإنجاز الواجبات المدرسية، فنجد أن 15% يتمكنون من المشاهدة رغم المنع الذي يفرض عليهم، وفئة أخرى 45% تجد الحرية التامة في الشاهدة، بينما 30%منهم ينجزون واجباتهم في نفس الوقت الذي يشاهدون فيه السلسلة، فيما نسبة 5% فقط تستفيد من دروس دعم وأنشطة بالروض أو بالجمعية في هذه الفترة.


السؤال الرابع: ما هو شعورك بعد انتهاء الحلقة؟
ويعبر 62.50 % من المستقصية آراؤهم عن شعورهم بالحصرة والانزعاج عند انتهاء الحلقة اليومية لعدم استمرارها بما يكفي، مما يعطي صورة واضحة لمقدار الاستمتاع الذي تجلبه لهم هذه السلسلة.


السؤال الخامس: هل تتذكر الوصلات الإشهارية التي تفصل بين فقرات الحلقة؟
وفيما يخص الوصلات الإشهارية التي تفصل بين فقرات الحلقة فهي متنوعة وتأتي العجائن "بيسكويات" على رأسها ثم تليها إعلانات اتصالات المغرب ثم كوكاكولا وزيت لوسيور وكنور وأخيرا جبنة La vache qui rit. وبلا شك فإن هذه الوصلات الاشهارية ستبقى عالقة بأذهان المستجوبين بصورها وكلماتها وألحانها. ولهذا فإن هذه الشركات تحرص باستمرار على تمويل مثل هذه المسلسلات بالذات، لأنها تجلب لها أرباحا مالية مهمة، لذلك فهي لا تحرص على مصلحة المشاهد المغربي وما سيجنيه من قيم ومبادئ ثقافات شعوب ما وراء البحار والتناقضات الصارخة التي تحملها مع محيطه الاجتماعي.


وبعد هذه الإحصائيات نستطيع القول يأن هذه السلسلة قد أسهمت، بما لا يدع مجالا للشك، في تعميق ظاهرة هدر الزمن المدرسي لكثير من أبنائنا نظرا للحجم الكبير من المتابعة التي تحظى به، خاصة وأن توقيت بث السلسلة تم اختياره بعناية ليتزامن مع عودة التلاميذ من مدارسهم بعد قضاء ساعات متواصلة في الدراسة والتحصيل.


وأعتبر بأن وقائع هذا المسلسل ستظل عالقة بذهنية الطفل وستشكل أحداثه رواسب عميقة في شخصيته، كما صار مع أجيالنا حيث لا زلت أتذكر أحداث المسلسل المكسيكي المدبلج الأول في تاريخ التلفزة الوطنية RTM سنة 1990، بعنوان"أَنْتَ أَوْ لاَ أَحَد"، والذي كانت له عواقب سلبية على حياتنا آنذاك، لم نكن في وعي تام بها، إلا بعد أن تقدم بنا السن وفعلت ما فعلته في قناعاتنا المتحكمة في سلوكاتنا، هذا في الوقت الذي ظلت فيه المدرسة وما تنتجه من قيم نبيلة غائبة عن الساحة والمنافسة بل ومهمشة في كثير من الأحيان من قبل أفراد الأسرة أنفسهم، فهل آن الأوان لنوقف الظلم الكبير الذي يرزح تحته أبناؤنا؟