أهمية دراسة علم النفس في توجيه العمل التربوي.
إعداد الأستاذ: رشيد نوري.
بسم الله الرحمن الرحيم
توطئة:
يتكون العالم الذي نعيش فيه من مجموعة من الحقائق المتنوعة فمنها المادية و أخرى عقلية ، فهو يشتمل على المواد الصلبة و السوائل و الغازات و النباتات و الاشجار و أجسام الحيوانات و النجوم و الكواكب بحركاتها ، و كذلك الرياح و السحب و ما إلى ذلك من الأشياء المادية و من جهة أخرى فهو يشتمل أيضا على أفكار و مشاعر بني البشر و على آرائهم وذكرياتهم و آمالهم و تخوفاتهم و ملذاتهم و آلامهم.
كما أن هناك علوما كثيرة تعنى بدراسة الجوانب المادية لهذ الكون منها علم الفيزياء و علم الكيمياء و علم الفلك و علم الحيوان و علم الجيولوجيا ، أما الحالات العقلية فيدرسها علم النفس. فعلم نفس الإنسان يبحث في تفكير و مشاعر بني البشر و يحاول تفسير الحقائق المتصلة بالفكر و الخلق و الحياة الشخصية و كيفية التعلم و الفرق بين فرد ذكي وه آخر دون ذلك و العمليات العقلية المختلفة من الحفظ و الإدراك و النسيان و غيرها من العمليات العقلية المعقدة و التي تدور رحاها داخل العلبة السوداء للإنسان و هي عقله.هذا العقل الذي أنعم الله تعالى الخالق البارئ به لبني البشر و الذي ميزه به عن سائر المخلوقات الأخرى.
من هنا تأتي أهمية دراسة علم النفس من أجل النجاح في المهمة التربوية ، إذ لا يمكن للمربي أن ينجح في مهمته ما لم يدرس علم النفس فما هي يا ترى الفوائد و الثمار التي يمكن جنيها من خلال دراسة علم النفس ؟و هل يمكن للعمل التربوي أن يسير في الطريق القويم دون الارتكاز على معرفة نفسية المتعلم ؟
و لمعالجة مجموع هذه الأسئلة لابد بداية حسب ما يقتضيه المنهج الأكاديمي لابد من تحديد ماهية هذا العلم الذي نحن بصدد دراسته ، فما هو علم النفس و ما م هو موضوعه وما المسائل التي التي يعنى بها علم النفس ؟
هذا ما سأحاول الوقوف عليه من خلال هذه الدراسة، يطرح أحد العلماء النفس وهو" كلاباريد claparède" سؤالا ويجيب عليه في الآن نفسه يقول متسائلا :" إذا كان للإنسان المؤهلات لإنجاب الأولاد أليس له المؤهلات لتربيتهم ؟" فيجيب قائلا: " وا أسفاه إن الأفكار المنطقية ليست دائما صائبة و غريزة التربية هي إحدى الغرائز التي يمتاز بها الحيوان عن الإنسان ، فالعنكبوت يحيك شباكه و النحلة تبني قرصها ، بنظام تام أشبه بعمل الآلة أما بالنسبة لنا نحن البشر فبناء المنزل يشكل عملية جد معقدة فقد لزمت أجيال للإنسانية حتى توصلت على فن بناء و تكييفه لحاجات المدنية و هكذا الأمر بالنسبة لفن التربية طبيعي عند الحيوان أما الإنسان فلم يكتف لتربية أبنائه بما يحمله لهم من حب و عاطفة بل عمل ذكاؤه لاكتشاف وسائل العمل التي يمكن أن يعرفها بالغريزة "
إذا نستخلص من خلال ما سبق أن لا الميل الطبيعي و لا الخبرة الطويلة تكفيان الإنسان ليكون مربيا صحيحا ، قادرا على توجيه الطفل توجيها ملائما لطبيعته فلابد له من الاستناد على أبحاث علماء النفس المتعلقة بمعرفة نفسية الطفل و دراسة مراحل نموه.و الدليل أن التربية بقيت اجيالا تتخبط و تسير على غير هدى إلى أن جاء علم النفس التربوي ووضع لها قواعد علمية أمنت لها طريقا واضح المعالم.
تحديد ماهية علم النفس:
و قبل الانتقال إلى الحديث عن الفوائد التي يمكن أن يقدمها علم النفس للتربية سوف نقف عند تحديد مفهوم علم النفس وذلك من خلال الاطلاع على المشاكل التي تشغل بال علماء النفس و على ما يقوم به هؤلاء العلماء من دراسات لجوانب السلوك الإنساني المتعددة فقد عني على سبيل المثال هؤلاء بدراسة مشاكل التعلم النظرية كما حاولوا الإجابة على بعض الأسئلة العملية مثل معرفة الطريقة التي يتم بها تعلم الطفل القراءة و الاسباب التي تجعلنا ننسى ما سبق أن تعلمناه في المدرسة و كذلك معرفة أفضل السبل الواجب اتباعها عند اكتساب المهارات أو تعلم لغة جديدة أو التخلص من عادات قبيحة .و يركز علماء النفس ايضا على مجالات أخرى .ولو طلب من أي عالم من علماء النفس تقديم تعريفا لعلم النفس لقال بأنه هو دراسة العقل أو أنه يعنى بصورة رئيسية بالنشاطات العقلية .و يعتبر العقل هو الأداة التي بواسطتها نفكر و هناك اعتقاد بأن العقل يوجد في الدماغ مع أن هذا الرأي يشوبه بعض الغموض ، و يعتبر كثيرون أن الإدراك و التعلم و التذكر و التخيل و التفكير و ما إلى ذلك من الأمور العقلية بينما يرون أن الحركات و الرياضات و الجري و تسلق الجبال و القفز هي من الأامور الجسمية.
البداية العلمية لعلم النفس:
و بعد هذا التعريف المقتضب لعلم النفس سوف انتقل إلى الحديث عن البداية العلمية لعلم النفس.يعتبر علم النفس علما وليد العصر الراهن ، إذ لم يتم ظهور علم النفس كعلم قائما بذاته إلا بعد التقدم الهائل الذي عرفته العلوم الاخرى و ذلك لأسباب منها الافتقار للطريقة العلمية و كذلك الحضر و المنع الكلي الذين كانا مفروضين على تشريح الجسد لأغراض علمية تسببا في تاخير فهمنا حقيقة بناء ووظيفة الدماغ الإنساني و الاعصاب لعدة قرون.
و نتيجة لذلك فغن اليونانيين و هم الذين ظنوا صوابا انه لابد من وجود وسيط في الجسم افترضوا وجود شيء مجرد وقد اطلقوا عليه اسم" الروح" او "النفس".
و بالرغم من كل تلك الافتراضات و إن كان بعضها يميل إلى الصواب إلا أنه لم يكن من الممكن الإجابة إجابة ذكية على سؤال الفيلسوف اليوناني عن الكيفية التي يتصل بها الجسم بالعقل قبل حدوث تقدم علمي في موضوع الضوء و الصوت و في كيفية انتقال طاقات أخرى .و يحتمل ان يكون ديمقريطسقداعتقد بعلم نفس مادي ،بيد أن افتقاره إلى معلومات بهذا الصدد جعلته يقف عاجزا أمام تعليل الاحساس تعليلا مقبولا .ثم أنه كان لابد من توفر المعلومات المتعلقة بالكائن الحي كمعرفة العمليات التي تتم في العين و الاذن و الانف و الجلد و التي تنتقل على أثرها للمرء خصائص الاجسام الخارجية.وبذلك أخذت تتبلور شيئا فشيئا ملامح علم النفس كعلم قائم الذات و ذلك بفضل التطور الهائل الذي عرفته مختلف العلوم المتصلة بجسم الإنسان من خلال علم الفزياء و علم وظائف الأعضاء فأصبح يطلق على بعض من تلك العلوم بعلم النفس البدني و علم النفس الفيسيولوجي.
أهم مدارس علم النفس :
عندما اخذت معلومات المرء عن نفسه تزداد تطورا و معرفة، بدأ علماء النفس في تطوير بعض التعميمات الأساسية .و قد أصبحت تلك التعميمات في نهاية المطاف وجهات نظر محددة فيما يتعلق بالإنسان ، و هذه بدورها أخذت توحي باتباع مناهج معينة في البحث .و لقد نجم عن هذا التفاعل بين مناهج البحث و بين المبادئ العامة وجهات نظر معينة أطلق عليها اسم" المدارس " و أصبحت هذه المدارس تتمايز عن بعضها في أمور ثلاثة.و هي :
1- المشاكل التي تعنى بها
2- مناهج البحث التي تستخدمها.
3- النظريات التي تطورها.
و من أهم مدارس علم النفس نجد:
1- البنائيون
لقد كان تأسيس أولى مدارس علم النفس وهي المدرسة البنائية العلامة المميزة لقيام علم النفس كعلم مستقل .و قد بدأت تترعرع في ألمانيا عام 1879م على أيدي العالم فنت vent ، و اتباعه و قد كان اولئك ممن تأثروا بمبادئ علم وظائف الأعضاء من جهة و بمبادئ الفلسفة من جهة أخرى.و فيما بعد تبنى تتشنر ، نشر هذه المدرسة في الولايات المتحدة ، علما أن تتشنر هو أحد طلاب فنت السابقين.
يعرض البنائيون عن تحليل السلوك الظاهري لانهم يرون ان دراسة الخبرة الشعورية هي موضوع علم النفس .و الشعور مكون من حالات عقلية أولية مثل الأحاسيس و الصور و المشاعر ، و هذه الحالات يمكن دراستها عن طريق الاستبطان و قد جاءت تسمية هذه المدرسة بالبنائية لاعتقاد أتياعها بأن الخبرات المركبة تبنى من تلك الخبرات العقلية بنفس الطريقة التي تتكون فيها المركبات الكيماوية من عناصر كيماوية أساسية .و نتيجة لتفضليهم الاستبطان على الملاحظة الموضوعية فقد استخدموا المنهج التجريبي عند دراستهم الاحساس .و لقد حاول البنائيون اكتشاف الاسس العضوية التي تؤثر في الخبرات الشعورية المختلفة .و بما أنهم كانوا يفتقرون إلى الأساليب الحديثة و التي تتبع حاليا في سبر غور آلية الجهاز العصبي فإنهم استخدموا الطريقة الاستبطانية عند بحثهم عن الحقائق الأساسية . و على أي حال فإن البنائيين كانوا يحددون بدقة المشكلة المراد بحثها ثم يشرعون في البحث ، مستخدمين الملاحظة المبنية على الخبرة .و بفضل جهودهم استطاع علم النفس ان يستقل عن كل من علم وظائف الأعضاء و علم الفلسفة ليصبح فرعا مستقلا من فروع المعرفة.
2- الوظيفيون
لم يرض علماء النفس الأمريكيين عن حصر علم النفس في دراسة العناصر العقلية باستخدام الطريقة الاستبطانية ، و لهذا بدأوا حوالي عام 1900م في الابتعاد عن المدرسة البنائية و شرعوا في تشكيل مدرسة عرفت باسم "المدرسة الوظيفية".فقد رأى علماء النفس الوظيفيون – و على رأسهم جون ديوي، ان علم النفس ان هو إلا دراسة لتكيف الانسان مع بيئتهن أي دراسة الوسائل التي طورها الإنسان و التي تساعد في عملية التكيف ، و هو كذلك دراسة الطرق التي يستطيع الانسان من خلالها تحسين تكيفه.
لقد شارك الوظيفيون البنائيين الذين سبقوهم و السلوكيين الذين جاؤوا بعدهم في اعتقادهم بأن كلا من السلوك و الشعور مركب من عناصر .و بينما يرى البنائيون أن هذه العناصر عن هي إلا حالات عقلية فإن الوظيفيين يرون أنها أي العناصر تتكون على حد سواء من حالات عقلية و من أفعال لها أهمية في عملية التكيف و هي من طراز المثير و الاستجابة . و نتيجة للتأكيد الذي وضعه الوظيفيون على السلوك و التكيف فغنهم نجحوا في توسيع مجال علم النفس و جعلوه يدخل ميادين جديدة كان البنائيون يعرضون عن طرق بابها.فالوظيفيون هم الذين أقاموا أسس علم النفس التطبيقي الحديث و خاصة في ميدان التربية و علم النفس العيادي.
3- المحللون النفسانيون
ظهرت في أوروبا في أوائل القرن الحالي – و هي نفس الفترة التي أخذت فيها المدرسة الوظيفية تزدهر في الولايات المتحدة- مدرسة التحليل النفسي بزعامة طبيب نمساوي شهير في الأامراض الجسمية و العقلية و هو سيجموند فرويد و تؤكد هذه المدرسة على العمليات العقلية اللاشعورية ، إذ يرى فرويد و أتباعه بأن أعظم القوى الحافزة عند الإنسان ما هي الا أنظمة لا شعورية من الأفكار إنها توق شديد ذو طبيعة جنسية.و يستعمل فرويد غريزة الجنس بمعناها الواسع فيجعلها تشمل أي توق للملذة.و طبقا لما تقوله هذه المدرسة فإن هذه الرغبات أو الحوافز اللاشعورية مجهولة من قبل المرء نفسه على الرغم من أنها تؤثر في سلوكه منذ بواكير الطفولة بطرق متعددة غير مباشرة.
لقد بدأ التحليل النفسي كوسيلة من وسائل كشف أسباب و طرق علاج عيوب الشخصية،تلك العيوب التي تنبع من الحوافز اللاشعورية.و يشبه التحليل النفسي الطب العقلي من حيث أن كليهما يستخدم مجموعة من الأساليب من شأنها مساعدة الفرد على جعل الجانب اللاشعوري من الشخصية شعوريا ، فهي تساعده على تعلم ضبط أعماله.و اتسع ميدان هذه المدرسة فيما بعد إذ لم تعد قاصرة على كونها مدرسة للطب النفسي ، بل أخذت تعنى بتفسير الظواهر الثقافية ، لكنها مع ذلك ظلت محشورة و بشكل واضح مع مدارس علم النفس.
لم تعن مدرسة التحليل النفسي بالعديد من مشاكل علم النفس التقليدية مثل طبيعة عملية التعلم و تنظيم قدرات المرء.يضاف إلى ذلك انها اعتمدت على المنهج العيادي اعتمادا كليا كما اهملت التحقق من صحة نظريتها تجريبيا .أما المساهمة الرئيسية لهذه المدرسة فتكمن في دراستها المتعلقة بالسلوك غير السوي و بنمو الشخصية و قد تركت نظريتها أثرا كبيرا على علم النفس الطفل الحديث.
4- السلوكيون
كان منهج الاستبطان قد أصبح عند نهاية العقد الأول من القرن الحالي منهجا تقليديا عند علماء النفس الأمريكيين .و كان البنائيون قبل ذلك يعتبرونه المنهج الوحيد للبحث كذلك فقد استمر الوظيفيون في الاعتماد عليه اعتمادا شاملا و على أي حال فإن السلوكيين و هم الذين ظهروا على المسرح فيما بعد كانوا مقتنعين بأن منهج الاستبطان يواجه عند استخدامه للكشف عن طبيعة الانسان صعوبات لا يمكن تذليلها ،كما أنهم كانوا متيقنين من استحالة دراسة الشعور دراسة دقيقة و لهذا فقد قرروا استبعاده و بصورة نهائية من اعمالهم العلمية.بل إن بعضهم أنكروا أصلا وجود الشعور محتجين بأنه يتعذر على المرء مشاهدته عند شخص آخر.و بدلا من دراسة الشعور فإن السلوكيين اتجهوا في أبحاثهم نحو السلوك الظاهري مستخدمين المنهج الموضوعي .
يقوم علم النفس في تصور هذه المدرسة على ارتباطات بين المثيرات و الاستجابات ،و تحدث تلك الارتباطات بطريقة تشبه إلى حد كبير "تداعي الأفكار" تلك الفكرة التي كان أرسطو أول من اقترحها ثم طورها فيما بعد فلاسفة بريطانيا الذين ظهروا في القرن السابع عشر و الثامن عشر و التاسع عشر.
إن الفكرة الرئيسية عند السلوكيين هي أن السلوك ينمو و يصبح أكثر تعقيدا ،و يتم ذلك عن طريق تكوين ارتباطات جديدة بين مثيرات و استجابات لم يكن بينها في الأصل أية صلة.و عليه فإنه يمكن وصفها بأنها ذرية ، مثلها في ذلك مثل المدرسة البنائية و المدرسة الوظيفية ، ذلك لأنها ترى أن السلوك مكون من وحدات من المثير - الاستجابة.
و من صفات تلك الوحدات أنها مستقلة و غير مترابطة.
لقد لقيت السلوكية احتراما عظيما في الولايات المتحدة و ذلك من خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى ، و كان يتزعمها في تلك الفترة ثورندايكThorndike ، وواطسنWatson ، و هنترHunter، و داشيل Dashiell، و آخرون غيرهم .و بالاضافة إلى مساهماتهم المتعددة في ميدان التعلم فإن السلوكيين تركوا آثارا عظيمة على الفكر النفساني الأمريكي لتطوير مناهج خاصة في البحث. و خاصة في مضمار علم نفس الحيوان – و لتأكيدهم على ضرورة اتباع الموضوعية في البحث . و على كل حال فقد شعر معظم علماء النفس أنه لا يجوز لعلم النفس أن يغفل دراسة الخبرات الشعورية و اللاشعورية مهما كانت الصعوبات التي تواجه دراستها.
5- الجشتالتيون
كلمة " جشتالت" هي كلمة ألمانية و تعني النمط أو الشكل . وهي تشير إلى التوكيد الذي وضعه علماء النفس الجشتالتيون على النمط الكلي للسلوك أو الخبرة، مفضلين ذلك على تحليل السلوك إلى عناصر .أما المبدأ الأساسي عند هذه المدرسة فهو أن السلوك أو الخبرة الكلية أكثر من مجرد مجموع الأجزاء المكونة له.كذلك فإن أي تغيير في أي عنصر من العناصر يترك آثارا على الكل.و هذا يشبه تماما ما يحدث عندما تتغير نغمة موسيقية.إذ ينتج من ذلك لحن يختلف فليلا عن اللحن السابق.و قد جاءت هذه المدرسة كاحتجاج قوي موجه ضد الفرضية التي يعتنقها البنائيون و الوظيفيون و السلوكيون و التي تنظر إلى العقل أو السلوك على أنه مركب من عناصر فردية.و هم يرون أن البيت هو أكثر من مجرد كومة من الآجر ، ذلك أن للبيت صفات متعددة منها النمط المعماري و التناسب و الجاذبية فهذه الصفات لا يمكن أن تنزل إلى صفات الآجر .و هكذا فان الفعل هو أكثر من مجموعات من الانعكاسات ، كما أن الخبرة الشعورية هي أكثر من الإحساسات الأولية و المشاعر و الصور .كذلك فإن مدرسة الجشتالت استمدت الكثير من مبادئها من قوانين الفيزياء و خاصة تلك القوانين المتعلقة بمجالات القوى و التي تعتقد أنها اكثر قابلية للتطبيق على الحوادث النفسية من مفهوم الارتباط بين عناصر مستقلة عن بعضها.فالعناصر في رأيهم تأخذ الكثير من صفاتها من الكل الذي ينتمي إليه.
كان ماكس وريتمرMax Wertheimer ، هو المؤسس لهذه المدرسة ، لكنها أصبحت معروفةفي الولايات المتحدة من خلال كتابات كوهلر ،و كوكفا،و ليفين ،و كان هؤلاء الثلاثة من المبعدين عن ألمانيا .و قد استخدم الجشتالتيون في تجاربهم الطريقة الاستبطانية و كذلك المناهج الموضوعية التي كان يتبعها السلوكيون . ولقد ساهمت هذه المدرسة مساهمة عظيمة في فهمنا موضوع الخداع و غير ذلك من مشاكل الإدراك ، كما أن مبادئها تركت آثارا بينة على كل من التربية الحديثة و علم النفس العيادي .و تبدو آثارها العظيمة على التربية و علم النفس العيادي لتأكيدها على المبدأ الذي ينظر إلى الإنسان نظرة كلية.
فالمدرس الذي يطبق هذا المبدأ الذي ينظر غللى الإنسان نظرة كلية يدرك أن تواترات الطفل الانفعالية التي تواجهه في البيت أو حاجته للقبول من قبل أقرانه في الفصل الدراسي يمكن أن تؤثر تأثيرا كبيرا على قدرته على تعلم الحساب .كذلك فإن الطبيب النفساني أو علم النفس العيادي الذي يتبع هذا المبدأ يدرك بوضوح أن عمله لم يكلل بالنجاح إذا ما اقتصر في علاجه على الأعراض الفردية.و أن عليه أن يتعمال مع الشخص بكامله.
ينظم الجدول الموضح أدناه الحقائق المتعلقة بالمدارس الرئيسية في علم النفس و قد ساهمت جميعها مساهمة مهمة في تطوير علم النفس .كما أنها تركت آثارا على التفكير الحديث و على النظريات الحديثة . وقليل هم علماء النفس المعاصرون الذين يشايعون مدرسة معينة مشايعة كلية ، فعلم النفس المعاصر رحب الأفق،فهو يقبل من كل مدرسة معينة كل ما من شأنه أن يعمل على تحقيق الهدف الرئيسي لعلم النفس ألا و هو فهم الإنسان أو بعض سلوكه أو خبرته.
و مع أنه كان ينظر إلى هذه المدارس على أنها معسكرات متنافرة، و أن نزاعاتها الطائفية تعيق تقدم علم النفس إلا أنه ينظر إليها حاليا نظرة بناءة باعتبارها نظريات توجه دراستنا للإنسان فالتوجيه النظري لعالم النفس يعتمد إلى حد كبير على مجال الدراسة الذي ينهمك فيه.و على سبيل المثال فإن عالم النفس العيادي قد يجد نظرية التحليل النفسي أكثر ملاءمة لعمله من النظرية البائية ، كما أن هالم النفس الحيوان يتأثر بصورة أكبر بالمدرسة السلوكية فقد اقتبسوا من مفاهيم المدرسة الوظيفية و المدرسة الجشتالتية. وهذا جدول توضيحي لمدارس علم انفس .
مدارس علم النفس
اسم المدرسةأشهر مؤسسها تاريخ تأسيسها
1- البنائية فنت- تتشنر 1879م
2- الوظيفية ديوي- أنجل 1898م
3- التحليل النفسي فرويد - أدار 1900م
يونج -هورني
4 - السلوكية ثورندايك- واطسون 1912م
بافلوف- سكنر
هل- سبنس- تولمان
5- الجشتالت كوهلر- وريتمر 1912م
ليفين – كوفكا
الفوائد التي يقدمها علم النفس للتربية:
يقدم علم النفس للتربية خدمات و فوائد عديدة نذكر منها :
أ- معرفة شخصية الطفل ففي الماضي كان الطفل يعتبر رجلا صغيرا في طرق تفكيره و تعليله للأمور .و كان أشد من ثار على هذا الاعتقاد روسو الذي أكد أن " للطفل طريقته الخاصة في النظر و الشعور ، تختلف عن طريقة الراشد "و جاءت أبحاث علماء النفس تثبت نظرية روسو ، و تقدم للتربية مبادئ واضحة عن تطور الطفل العقلي و العاطفي و النفسي، و عن حاجات و ميول و قابليات كل طور من أطوار نموه.
ب- معرفة الخصائص الفردية: فمن خلال دراسات علم النفس أصبح معلوما أن الوراثة و البيئة المنزلية و الاجتماعية تؤثر في تكوين شخصية الطفل و تكسبه فوارق خاصة تميزه عن أقرانه .فمثلا في الفصل الدراسي الواحد نجد فروقا فردية بين مجموع التلاميذ .و لكي ينجح المربي في أداء واجبه عليه أن يراعي الميول و الاستعدادات الفردية و في هذا الصدد يقول روسو:"لكل نفس شكلها الخاص ، و حسب هذا الشكل يجب أن تقاد."أي كل فرد له خصائص تميزه و حسب هذه الخصائص يجب التعامل معه.و هناك فرع من فروع علم النفس ، يسمى علم النفس الفارقي، و هو يهتم بدراسة الخصائص الفردية واضعا حلولا و علاجا لكل حالة من الحالات النفسية الخاصة ، و قد قدم للمربين توجيهات قيمة جديرة بأن تعالج بعض المشاكل النفسية كالخجل و الانطواء و غيرها..
ت- إعداد البرامج : لقد كان من بين نتائج معرفة نفسية الطفل أنها سهلت للمربين اختيار مواد التدريس ، كما و نوعا ، و جعلها مناسبة لاستعدادات الطفل و ميولاته.
فبرامج الدروس تدور حول المتعلم ، و لا تكون مفيدة إلا إذا أخذت بعين الاعتبار قوانين تطور عقليته .مثلا تدريس مادة التاريخ في المستوى الأول يكون عقيما لأن الطفل قبل السنة الثامنة من عمره يكون غير قادر على إدراك معنى الوقت.
د- اختيار طرق التدريس: و لعل أفضل الخدمات التي أداها علم النفس للمربين عموما هي توجيههم على الطرق و الوسائل التي تثير انتباه الطفل و فاعليته و تنسجم مع سير تفكيره.مثلا بعد أن كان الطفل يقضي عدة سنوات حتى يحسن القراءة بالطريقة التركيبية ، جاءت الطريقة التحليلية فغيرت المقاييس القديمة ، فبفضل انسجامها مع عقلية الطفل في إدراكه الكل قبل الجزء (الطريقة الجشتالتية ) فمكنت الطفل بالتالي من القراءة في أشهر قليلة .و ما يقال على القراءة يصح قوله تقريبا في سائر المواد الدراسية من لغة و حساب و تاريخ و علوم ..، حيث توصل المربون استنادا على توجيهات علم النفس إلى ابتكار طرق ووسائل جديدة أعطت نتائج أنجع و أفضل من نتائج الماضي.
و يمكن التأكيد بأنه إذا لم يعتمد العمل التربوي على علم النفس في اختياره للمادة و للطريقة في التدريس يسيء في نمو الطفل عقليا و وجدانيا و حسيحركيا فنجاح المربي في مهمته متوقف إلى حد كبير على معرفته بنفسية متعلميه.